الجمعة، 6 يوليو 2012

الفقه وأصوله – أيهما يدرس أولاًً




اختلف العلماء أيهما يقدَم أولاً – دراسة علم الفقه أم دراسة علم أصول الفقه. ولكي نصل إلى إجابة صحيحة علينا أولاً التعريف بكل من العلمين ثم الاطلاع على آراء العلماء بخصوص تقديم أي منهما.
الفقه لغة هو العلم بالشيء والفهم له[1] ، وفي القرآن الكريم " وَاحْلُلْ عُقْدَةً  مِنْ  لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي"[2] أي يفهموا قولي. أما اصطلاحاً فهو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة التفصيلية أو مجموعة الاحكام الشرعية العملية المستفادة من أدلتها التفصيلية. وقد اتفق على أن الأدلة هي القرآن والسنة والإجماع والقياس. والغاية من علم الفقه هي تطبيق الأحكام الشرعية على أفعال الناس وأقوالهم. فالفقه هو مرجع القاضي في قضائه والمفتي في فتواه ومرجع كل مكلف لمعرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عنه من أقوال وافعال.
وقد نشأت أحكام الفقه مع نشأة الإسلام وكانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبارة عن الأحكام التي وردت في القرآن الكريم والأحكام التي صدرت من الرسول في صورة فتوى في واقعة أو جواب عن سؤال سواءاً كان ذلك وحياً من الله أو اجتهاداً منه صلوات الله عليه وسلامه. وبعد وفاة الرسول الكريم اعتمد الصحابة والتابعين ممن تربوا على هدي الرسول الكريم على لغتهم العربية السليمة في استنباط الأحكام من القرآن والسنة وساعدهم على ذلك قرب العهد برسول الله ومعرفتهم بأسباب نزول الآيات وقدرتهم على تمييز صحيح السنة .
أما بالنسبة لأصول الفقه فلغوياً الأصول هي جمع أصل والأصل في اللغة هو أسفل الشيء[3] وقد ذكر في معناه أقوال كثيرة منها قول أبي الحسين البصري أن الأصل هو ما يبنى عليه غيره [4]. أما اصطلاحاً فيعرف علم أصول الفقه بأنه مجموعة من القواعد التي يتوصل من خلالها إلى استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية بطرق مدروسة وأسس علمية صحيحة. والغاية من علم أصول الفقه اكتساب القدرة على استنباط الاحكام الشرعية الكلية لأفعال المكلفين من أدلتها الأربعة المتفق عليها وغيرها من الأدلة المختلف فيها كقول الصحابي.
لم تظهر الحاجة لعلم أصول الفقه في القرن الأول الهجري، إلا أنه مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية ودخول أجناس مختلفة في الإسلام في القرن الهجري الثاني اختلطت اللغة العربية بغيرها من اللغات وظهرت الحاجة لوضع قواعد تساعد على فهم النصوص الشرعية في القرآن والسنة وتنظم استنباط الأحكام الشرعية منها. وأول من تصدى لهذا محمد ابن ادريس الشافعي في كتابه الرسالة حيث أسس لعلم أصول الفقه وبين الأدلة التي يؤخذ منها الحكم التشريعي والشروط الواجب توافرها في المجتهد القائم بالقياس.
وعليه فمن الناحية الزمنية فعلم الفقه سابق على علم الأصول وهناك من العلماء من يقدم دراسة علم الفقه على علم الأصول مثل أبو يعلي في كتابه "العدة" حيث يقول في حديثه عن أصول الفقه " ولا يجوز أن تعلم هذه الأصول قبل النظر في الفروع؛ لأن من لم يعتد طرق الفروع والتصرف فيها، لا يمكنه الوقوف على ما يبتغي بهذه الأصول من الاستدلال والتصرف في وجوه القياس والمواضع التي يقصد بالكلام إليها، ولهذا يوجد أكثر من ينفرد بعلم الكلام دون الفروع مقصرًا في هذا الباب، وإن كان يعرف طرق هذه الأصول وأدلته" [5] أي أنه يرى ضرورة دراسة أحكام الفقه والاعتياد عليها  حتى تتكون لطالب العلم ملكة تساعده على فهم أصول الفقه وأعد ذلك شرطاً للقدرة على الاستدلال والاستفادة من علم الأصول.
وعلى الجانب الآخر يقف عدد من العلماء مثل أبو إسحاق الشيرازي وابن برهان وابن عقيل وغيرهم ممن يرون ضرورة تقديم دراسة علم الأصول على الفقه. يقول د/ عبد الكريم النملة "وهو الصحيح عندي، ليكون المتعلم على ثقة مما يدخل فيه ، ويكون قادراً على فهم مرامي جزئيات الفقه، فالفروع لا تدرك إلا بأصولها، والنتائج لا تعرف حقائقها إلا بعد تحصيل العلم بمقدماتها"[6]
ومما سبق يتضح لنا أن الأولى تقديم دراسة علم الأصول على دراسة علم الفقه، فبالرغم من أن علم الأصول استعان في بداياته بالأحكام الفقهية للوصول إلى القواعد الحاكمة لهذا العلم إلا أنه في وقتنا هذا ومع تراجع ملكة اللغة لدى الكثير من طلبة العلم وانتشار الكثير من الأحاديث المغلوطة والفتاوى الباطلة يحتاج الطالب أولاً إلى معرفة القواعد والأحكام الكلية لاستخراج الأحكام الشرعية  وهو بذلك يمهد الطريق لدراسة علم الفقه وتطبيق هذه القواعد على الجزئيات لاستخراج الحكم من الدليل التفصيلي.
" أبلغ ما يتوصل به إلى إحكام الأحكام أصول الفقه وطرف من أصول الدين"
                                                                                                العكبري




[1]  لسان العرب
[2]  طه – 28:27
[3]  لسان العرب
[4]  المعتمد
[5]  العدة –القاضي أبو يعلي محمد بن الحسين الفراء
[6]  المهذب في علم أصول الفقهة المقارن – د/ عبد الكريم بن علي بن محمد النملة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق