السبت، 28 أبريل 2012

فيلسوف العرب.... مرآة عصره


أبو اسحق الكندي ..أول فلاسفة العرب ولد في عهد الرشيد ونبغ في عصر المامون وازدهر في حكم المعتصم وهوجم في عصر المتوكل وانعزل حتى وفاته في زمن المستعين[1].

تربى الكندي يتيماً بعد وفاة والده حاكم الكوفة ورأت أمه أن العلم خير له من ترف الحكم ، فدفعته إلى حفظ القرآن الكريم وتعلم أصول الفقه ومبادئ النحو والشعر العربي. وظهر ذلك في تميز كتاباته بلغة عربية سليمة وقدرة على وضع مصطلحات فلسفية لم تكن معروفة من قبل "رسالة في حدود الأشياء ورسومها"[2]

نشأ في بغداد حيث فتحت المجالس لجميع الأطياف الدينية والفكرية[3] وأشرف على ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية في عصر المأمون. تأثر بأفلاطون في  كتاب "لا تنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات" واعتنق التفريق الأرسطي بين العقل الفعال والعقل المنفعل، إلا أنه لم يفرط في أصوله الإسلامية فعرف الفلسفة بأنها "التشبه بأفعال الله تعالى، بقدر طاقة الإنسان"[4] ورأى أن موضوع الفلسفة يتفق مع ما جاءت به الرسل.

اتخذ المعتصم الكندي معلماً لابنه فظهرت مؤلفات الكندي في هيئة رسائل قصيرة تعليمية. كما أدت معيشتة في بلاط الخلافة إلى خدمة عدد من كتاباته للبلاط مثل الكتابات في صناعة الزجاج والموسيقى والعطور[5]

نسج الكندي على منوال المعتزلة في معالجة عدد من القضايا الفلسفية. وانعكس النزاع بين الدين والفلسفة ورمي الفلاسفة بالزندقة على رسائله، فنفي تهمة الكفر عن الفلسفة في مقدمة كتابه "في الفلسفة الأولى"  وحرص على استهلال كتاباته بدعاء في بداية ونهاية الديباجة.

وكما علا نجم الكندي لارتباطه بالخلفاء، أفل كذلك بسببهم. إذ تشدد الواثق مع مخالفيه في الرأي مما دفع بالكندي إلى الانزواء وأمر المتوكل بمصادرة كتبه وجلده وهو ما أصابه بالاكتئاب فاعتزل الحياة حتى وفاته.

"من تجر بشئ باعه، ومن باع شيئاً لم يكن له، فمن تجر بالدين لم يكن له دين"
الكندي



[1]  الكندي فيلسوف العرب – د/ أحمد فؤاد الأهواني - 1964
[2]  الكندي فلسفته – منتخبات – د/ محمد عبد الرحمن مرحبا - 1985
[3]  شؤم الفلسفة – الحرب ضد الفلاسفة في الإسلام – عقيل يوسف عيدان - 2010
[4]  تظرية السعادة عند فلاسفة الإسلام – د/ سعيد مراد - 2001
[5]  برنامج علماء المسلمين - د/اسماعيل سراج الدين 

الاثنين، 16 أبريل 2012

"هناك من الفلاسفة من هو كالعنكبوت .. ينسج بيته من خاماته الذاتية .. ومن هو كالنملة .. يخزن ويستخدم .. وهناك من هو كالنحلة.. يجمع الرحيق من الزهور والحقول ثم يصنعها بقوته الذاتية، وهذا هو الفيلسوف الحق" فرانسيس بيكون
اتبعت الفلسفة مناهجاً مختلفة في تفسير الكون .. أوجزها بيكون في جملته السابقة. فمن الفلاسفة من اعتمد النشاط العقلي كسقراط الذي اعتقد بولادة الإنسان مزوداً بالمعلومات جميعها في حالة كمون وبالتالي اعتمد منهج الحوار لاستيلاد المعرفة الفلسفية، فكان يطرح تساؤلاً بعد تساؤل ويترك محاوره يجيب حتى يكتشف بنفسه الحقيقة الكامنة في فكره. وهناك من اقترنت فلسفته بالتجربة العلمية مثل ديفيد هيوم الذي قال بأن أي قضية لا تتعامل مع الرياضيات أو القضايا العلمية الطبيعية ما هي إلا أوهام وسفسطة. وهناك من تفاعل مع التجربة وأعمل فيها فكره ليصل للنتيجة المرجوة مثل جون لوك الفيلسوف التجريبي الذي أقر بقصور الحس الظاهر والباطن عن توليد بعض المفاهيم والتي يلزم تدخل الفاهمة البشرية للوصول لحقيقتها.
فالفلسفة علم ونشاط وقد تأرجحت مباحث الفلسفة بينهما بقوى مختلفة.. فبينما مالت الفلسفة اليونانية إلى النشاط العقلي بسبب طبيعتها الأنطولوجية وبحثها في الوجود وأسراره، لم يخل الأمر من التجربة ودراسة الطبيعة كما يظهر في كتب أرسطو عن الحيوان والنبات وفي نظريات ديمقريطس عن الذرة وأرسطرخس عن مركزية الشمس.
ثم سيطر العلم مع اكتشافات جاليليو ونيوتن وكوبرنيكوس وغيرهم في العصر الوسيط وتراجع النشاط التأملي وتحولت الفلسفة من مجال الأنطولوجيا إلى التجريبية والبحث في نظريات المعرفة فظهرت فلسفة ديكارت المبنية على أسس رياضية ونظريات بيكون وكانت العلمية .
وجاءت بدايات القرن العشرين بشكوك حول جدارة العلم بالسيطرة على التفكير البشري ..حيث ناقض العلم نفسه بظهور الفيزياء الكمية التي قوضت أسس الفيزياء الكلاسيكية وظهرت أسئلة لا يستطيع التقدم العلمي حلها فأيقن الإنسان أنه بالإضافة للعلم يحتاج النشاط الفلسفي للبحث في مصير الكون والأخلاقيات وعليه تنوعت مباحث الفلسفة بين العلوم مثل الفلسفة العلمية والتحليلية وبين النشاط الفلسفي مثل الفلسفة الأخلاقية والكوسمولوجية.


" العلم يمكنه أن يضع حداً للمعرفة، لكن يجب إلا يضع حداً للخيال" راسل

الجمعة، 6 أبريل 2012

برتراند راسل

كاتب وفيلسوف إنجليزي ولد عام 1872 وتوفي عام 1970. نشأ في أسرة أرستقراطية وتعلم الرياضيات  والمنطق. عمل محاضراً في جامعات إنجلترا وأمريكا وتنوعت كتاباته في الفلسفة والهندسة والاجتماع وغيرها.

راسل مفكر مثير للجدل، تسببت آرائه السياسية في سجنه بينما منحته كتاباته جائزة نوبل. اشتهر كداعية للسلام والتسامح وكذلك بتطرف آرائه عن الدين والأخلاق.

عرف الفلسفة بأنها "مجموعة من التأملات حول موضوعات لا نعرفها بالضبط إلا على سبيل الاحتمال"[1] ورأى أن مهمتها هي محاولة فهم العالم متبعاً في ذلك الشك الديكارتي إلا أنه اختلف عن ديكارت في مراجعته للمبدأ الذي انطلق منه.

لم تخل حياة راسل الفلسفية من تناقض. بدأ فيلسوفاً مثالياً ثم قاد ثورة ضد هيجل وأنشأ المدرسة التحليلية التي تعني بالاستخدام الصحيح للغة وتحليل المشكلات إلى عناصرها الأولية.
تطورت نظرية راسل في بناء العقل والمادة من الثنائية إلى الواحدية المحايدة، فبدأ بطرحه أنهما بناءان مختلفان تماماً[2] ثم اقتنع جزئياً بنظرية الواحدية المحايدة وقال بأن العقل ذهني خالص والمادة فيزيقية خالصة وأضاف إليهما الإحساسات وهي الأحداث[3] الواقعة في الخبرة والمكونة من نسيج محايد بين العقل والمادة[4]. ومن هنا انطلق إلى تعريف الذرات المنطقية وهي"ليست جزئيات صغيرة من المادة، وإنما هي أفكارنا عن المادة التي يتألف منها الشئ"[5] قائلأ بتكون العالم الذهني والمادي من هذه الذرات وأن الاختلاف بين المادة والصور الذهنية هو اختلاف في العلية.
يثير راسل حيرة القارئ مرة باستخدام مصطلحات غير دقيقة[6] وأخرى بتطويره المستمر لنظريته وثالثة برفضه لثنائية العقل والمادة مع تسليمه بثنائية العلية ونهاية برفضه وجود معرفة يقينية.
"لا أظن أن أحدا ينبغي أن يكون على يقين من شئ. فإذا كنت على يقين من شئ فأنت يقيناً على خطأ"[7]


[1]  كتاب برتراند راسل يحاور نفسه 1959
[2]  كتاب مشاكل الفلسفة 1912
[3]  الحادثة هي وصف "اينشتين" لأصغر مكون في المادة
[4]  كتاب تحليل العقل 1921
[5]  كتاب برتراند راسل يحاور نفسه 1959
[6]  اختلف مدلول مصطلح "احساس" في كتابه مشاكل الفلسفة عنه في تحليل العقل، كذلك شملت كتبه أكثر من مسمى للمعطيات الحسية الممكنة  وغيرها
[7]  كتاب برتراند يحاور نفسه 1959