الأربعاء، 17 أبريل 2013

التخلق الفردي والتخلق السياسي



التخلق لغةً هو استعمال المرء لخُلقٍ من غير أن يكون مخلوقاً في فطرته[1] . وعليه فتخلق الإنسان – أو التخلق الفردي – هو قدرة الفرد على اكتساب وإظهار أخلاقيات مختلفة عما نشأ أو اعتاد عليها. أم التخلق السياسي فيعرف بأنه مجموعة القيم التي تفرضها فلسفة السياسة[2] وبالتالي فهو منظومة قيمية متبعة من المؤيدين لنهج سياسي معين.


وهناك عدة فروق بين التخلق الفردي والسياسي. فالتخلق الفردي ينبع من داخل الفرد وباختياره بينما التخلق السياسي هو إنعكاس للأيديولوجيا التي يفرضها ويرسخها المذهب السياسي. وفي حين تختلف درجة التخلق الفردي تبعاً لخلفيات الإنسان وبواعثه بحيث يتباين سلوك أصحاب التخلق الفردي تجاه موقف معين رغم اتباعهم لنفس منظومة القيم، ينطبق التخلق السياسي على معظم تابعيه بدرجة واحدة تساعد على التنبؤ بسلوك أفراده وتوقع طريقة تفاعلهم مع المواقف المختلفة. كذلك فإن التخلق الفردي في أساسه عمل فردي فكري يسعى لاكتشاف ممكنات الإنسان الأخلاقية وصقلها بالعلم والقراءة، بينما يقوم التخلق السياسي على العمل المؤسسي التنفيذي الذي يحول القيم إلى إجراءات عملية تساعد على تقسيم السلطة بين المؤسسات وتحديد العلاقات بينها.


وكما يختلف التخلق الفردي والسياسي في السِمات، يختلفا كذلك في الأثر الحضاري. فللتخلق الفردي أثر تراكمي عميق وإذا ما تحلى الأفراد بمنظومة قيمية سليمة نتج عن ذلك فهماً أدق للواقع ورُقِّياً في التعامل مع الأفراد  مما يحقق تقدماً على المستوى الإجتماعي لكنه قد ينحصر في الفرد ودائرة المقربين له. أما التخلق السياسي فلكونه حاكماً للعلاقات بين المؤسسات، يساهم - في حالة نجاحه - في التقدم السياسي والمادي (التقني / الاقتصادي)، أما قيمه فبالرغم من كونها أكثر قدرة على الإنتشار لما تحظى به من دعم السلطة، إلا أنها عادة ما تكون أقل ترسخاً، يقتصر عمقها على النخبة.

ولكي تنشأ حضارة حقيقية على مستوى الفرد والدولة، لابد وأن يتلاءم التخلق الفردي والتخلق السياسي بحيث ينبع الأخير من الثقافة الأساسية للمجتمع وإلا حدث انهيار حضاري وثقافي سريع. ومثال على ذلك التجربة المصرية، حيث تعاقبت توجهات سياسية تحمل قيماً مستوردة - اشتراكية تارةً وليبرالية تارةً أخرى - وسعت هذه السياسات الدخيلة إلى حصر القيم الدينية في أضيق الحدود بالمخالفة للاتجاه العام للتخلق الفردي. وعليه حدث لكثيرين تضارب بين منظومة القيم الدينية والاشتراكية من جانب وبين كل منهما والليبرالية من جانب آخر فنتج عن ذلك تشويه للمنظومة الثقافية والأخلاقية وهو ما يؤدي بالتبعية إلى التخلف الحضاري[3].




[1]   أنظر : لسان العرب
[2]   أنظر : Personal Morality & Political Morality, Alex Harris, a term paper presented in seminar at Harvard University
[3]   للمزيد في هذا الباب، انظر الثقافة ومنظومات القيم في مصر خلال ثلاثين عاماً، د/ علي ليلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق