الجمعة، 18 مايو 2012

الواقف والماشي

"الواقف يتأخر بقدر ما يسير الماشي" جملة تنطبق تماماً على ما حدث للحضارة الإسلامية في عصور الظلام من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر الميلادي. فبقدر ما تقدمت أوربا في هذه الفترة لدرجة دفعتهم إلى إطلاق اسم "عصر النهضة" على بداياتها.. تأخرت الحضارة الإسلامية وانزوت وساعد في ذلك فتوى من علماء البلاط العثماني، فقد ظهرت طابعة جوتنبرج في أوربا في منتصف القرن الخامس عشر وبعد اختراعها بسنوات قليلة عرض على السلطان بايزيد الثاني استيراد الطابعة، لكن الفقهاء جرموا هذا وكفروا من تسول له نفسه استخدام هذه الآلة وبرروا اجحافهم هذا بخوفهم من استخدام الطابعة في تحريف القرآن الكريم أو طباعة ما يخالف الدين. وانصاع لرأيهم السلطان وأصدر مرسوماً بتحريم استخدام الطابعة في أنحاء الدولة العثمانية وظل هذا المرسوم سارياً حتى القرن الثامن عشر عندما سمح بطباعة الكتب غير الدينية ثم تطور الأمر للسماح بطباعة الكتب الدينية والقرآن الكريم لما ظهر من فوائد للطابعة في نشر العلم وخفض لأسعار الكتب.

ونحن الآن ندرك ما جلبته علينا هذه الفتوى من بوار، فقد افتقد "الفقهاء" وقتها المرونة الذهنية الكافية للإحاطة بفوائد الطباعة واسهامها في التقدم الأوربي وتسبب ذلك في الدفع بالأمة الإسلامية إلى العزلة عن تيارات الثقافة العالمية وبالتالي إلى الاضمحلال والضمور زعماً منهم بالحفاظ على الدين. وعلى جانب آخر لم تخل هذه الفتوى من هوى شخصي، إذ كان الاشتغال بكتابة الخط العربي حرفة مجزية يرتزق منها الفقهاء والقضاة وكبار موظفي الدواوين إضافة إلى ما شكله وجود الطابعة وإمكانية انتشار العلم من تهديد لمن يسعون إلى قصر العلم على الطبقة العليا للحفاظ على مكانتهم ومكاسبهم.

وقد يكون السلطان مصيباً في عدم انفراده برأي في هذا الأمر الجديد وسعيه لاستشارة علماء عصره قبل إصدار الحكم لكنه لو أنصف لكان اتخذ بطانة من غير أصحاب الأهواء ولتحرى مصداقية وكفاءة من يفتيه. فقد كان الأمر يحتاج لمزيد من التيقن من المعلومة وموازنة بين المصالح والمفاسد المفترضة في ضوء واقع الأمة واختياراتها. فلو عاد بنا الزمن إلى الوراء ومحونا هذه الفتوى الجائرة لكنا استفدنا من الطابعة في نشر العلوم الدينية مع وضع الضوابط اللازمة لمنع تحريف القرآن ودس الأكاذيب وقضينا بذلك على الخرافات المنتشرة في ذلك الوقت كذلك لكان من الممكن نشر علوم الفلك والطب والهندسة وغيرها لأعلام العرب والمسلمين والبناء عليها والترقي في العلوم الطبيعية والانسانية ولتغير واقعنا الحالي تغيراً إيجابياً يكفينا مشقة اللهاث للحاق بركب الحضارة الحديثة.