قال رسولنا الكريم : "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس
كل مائة سنة من يجدد لها دينها" [1] ويكون هذا التجديد
بمواجهة الشريعة وأحكامها للتطور ومعالجة قضايا العصر بحيث لا تضيق الشريعة بأية مستجدات.
وفي رأيي فإن علم أصول الفقه ووضع قواعد الاجتهاد الفقهي على يد الإمام الشافعي
كانا أحد وجوه هذا التجديد. كذلك، فإن مقاصد الشريعة هي وجه آخر للتجديد أتاح
تطوير علم الأصول وأعاد صياغة بعض أصوله ليخلصه من شوائب جمودٍ اعترت أجزاءاً فيه.
وفيما يلي سنعرض لدور المقاصد الشرعية في إعادة صياغة أصول الفقه.
|
يهدف علم أصول الفقه إلى ضبط عمليات الاجتهاد الفقهي ووضع الأسس التي تمكن
الفقيه من استنباط الأحكام الشرعية. وهناك منهجان أساسيان لاستنباط الأصول[2]:
- منهج
المتكلمين الذي اعتمد بالأساس على النظر العقلي وتجريد
القواعد العامة من المسائل الفقهية
- منهج
الفقهاء وتركز فيه الاهتمام على الكيفية التي سلكها أصحاب المذاهب الفقهية في
استدلالهم على أحكام الشريعة
إلا إنه مع تقدم
العصور ظهرت مستجدات ومتغيرات اجتماعية وسياسية لم يستطع الاجتهاد الفقهي استيعابها
لأسبابٍ منها اختلاف المناهج الأصولية و اختلاف الفقهاء في تأويل النصوص
إضافة إلى "اعتصار الألفاظ" – حسب مصطلح الطاهر ابن عاشور[3]-
وإغفال ما يحف بها من قرائن واصطلاحات وسياق. ومن هنا بدأ الاهتمام بمقاصد الشريعة.
بدأت المقاصد الشرعية كمبحث أصولي تحت أسماء مختلفة مثل : قصد الشارع
بالحكم ومناسبة القياس والحكمة اوالمصلحة والمصالح المرسلة واستخدمت هذه المصطلحات
في الأغراض الفقهية التالية:
-
-
تعارض نصين أو
دليلين: وهو اقتضاء كل واحد منهما في وقت واحد حكماً في الواقع يخالف ما يقتضيه
الدليل الآخر فيها[6].
-
تغير الفتوى وذلك بحسب
تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات.
وكان من الممكن – حسب رأي د/ طه جابر العلواني[8] - أن
يكون التعليل منطَلقاً هاماً لبناء الفكر المقاصدي لكن الانشغال بالقياس حصر
التعليل ليكون من أهم الأركان والدعائم له.
وقد استخدم كلاً من الجويني والغزالي"مقاصد الشريعة" كمصطلح في كتابيهما "البرهان" و"المستصفى" إلا إن معالم المنهج المقاصدي اتضحت مع الشاطبي في كتاب "الموافقات". وكمصطلح تعرف "مقاصد الشريعة" بالهدف أو الأغراض أو المطلوب أو الغاية من الأحكام الإسلامية[9] و يهدف التفكير المقاصدي إلى إدارة الأحكام مع مقاصدها الشرعية للحفاظ على مرونة الفقه الإسلامي وقدرته على استيعاب تغير الأحوال وتبدل الأعصار[10].
وقد ساعد تناول أصول الفقه برؤية مقاصدية على إثراء الرصيد الفقهي وتنقية الفقه من الحيل والتشبث بالألفاظ وفقه التقليد القائم على اعتبار فقه الأئمة مثل نصوص الشارع وانعكست آثار الفكر المقاصدي في:
- توفير قاعدة كلية تمنع التضارب بين الآراء الفقهية وتأويلات نصوص الشريعة، وكما قال ابن القيم " فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل"[11]
-
إعادة صياغة تعريف الإجماع حيث لم يتحقق الإجماع بمعناه الأصولي إلا في عصر
الصحابة مما دعا المجددون من أمثال حسن الترابي وأحمد حمد إلى العمل على إعادة
صياغته ليكون أكثر ملاءمة للعصر
-
إعادة النظر في دعاوى
النسخ في آيات القرآن حيث رفض العلماء مثل طه جابر العلواني القول بنسخ القرآن
وسعوا في ضوء مقاصد الشريعة إلى الوصول للمقصد من الآيات المختلف فيها لتوضيح
الهدف من أحكامها وإن كانت عامة ، أم خاصة ، أم متدرجة وهكذا
-
مراجعة متون
الأحاديث الشريفة بناءاً على توافقها مع أصول القرآن وقطعياته ومن ثم اعتماد هذه
الأحاديث أو تضعيفها
-
التفريق بين الأحاديث
النبوية التي يقصد بها التشريع وغيرها
-
اعتبار مصلحة
الأمة أو الجماعة في مقابل المصلحة الفردية التي اقتصر عليها رواد علم الأصول
-
توسيع مفهوم
القياس بحيث يعتمد على استقراء أكبر عدد من الحالات التي تتعلق بالموضوع واستنباط
أصول ومقاصد عامة تبنى عليها الأحكام وهو ما أسماه البعض "القياس
الواسع"[12].
ومما سبق تتضح أهمية الفكر المقاصدي ودوره
الفعال في إعادة صياغة أصول الفقه بصورة تجعله أكثر استجابة لمتطلبات العصر وأوسع
آفاقاً للاجتهاد الفقهي.