الأحد، 15 يوليو 2012

القرآن الكريم وضوابط قبول الأفكار





في عصر الانفتاح المعرفي وفي ظل زخم المعلومات الواردة من وسائل الاتصال والإعلام المختلفة تُطرح العديد من الأفكار بصورة مستمرة وأحياناً ملحة على كل منا، لذا أصبح من الضروري وضع ضوابط لقبول الأفكار و الالتزام بهذه الضوابط عند تقييم الأفكار الجديدة بل والأفكار التقليدية المنتشرة . ونقصد بضوابط قبول الأفكار القواعد التي تحدد أي الأفكار يمكن تقبلها ودراستها ومن ثم الاقتناع بها أو رفضها على أسس موضوعية.


والالتزام بضوابط لقبول الأفكار له فوائد عدة منها :
§        رسم الملامح الرئيسية للمرجعية والمنهجية الفكرية
§        الحفاظ على الهوية
§        التحلي بالموضوعية
§        البعد عن الانغلاق الفكري والتحيز
§        الحد من فرصة تسلل أفكار غير سوية
§        توفير الوقت والجهد المبذول في التعرف على الأفكار
§        القدرة على التمييزبين الجيد والرث من الأفكار




والمتأمل للقرآن الكريم يجد العديد من الآيات التي يمكن القياس عليها للخروج بضوابط لقبول الأفكار منها :

1-             " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ "[1]
مصدر الفكرة من اهم ضوابط قبولها، فمن الهام أن تؤخذ الأفكار عن أهل العلم وأن تستقى من ينابيعها الأساسية. فإذا لم تصدر الفكرة عن مصدر موثوق فقد تكون مجرد لغو لا أساس له.

2-             " قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "[2]
الفكرة دون دليل يثبتها لا قيمة لها ومن الهباء مناقشتها وكما تطلب الآية البرهان من المشككين في الدين، من الواجب طلب الدليل ممن يطرح أفكاره قبل قبولها.

3-             " فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ "[3]
وكما يلزم وجود دليل على الفكرة، يلزم كذلك ان تكون قابلة للتطبيق وبخاصة إذا كانت الفكرة مرتبطة بمشكلة ما وتسعى لحلها، فهناك من النظريات ما يتحطم على أرض الواقع 

4-             وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً "[4] 
الاختلاف هو سنة في البشر، وكما يختلف الشكل والطباع تختلف الأفكار. وبينما تؤكد بعض الأفكار بعضها أو تكملها، تتعارض بعض الأفكار ومن الضروري الاطلاع على الرأي والرأي الآخر لتقييم الفكرة بصورة موضوعية. وقد قال الشافعي رحمه الله "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب".

5-             " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ "[5]
كما أن هناك مرجعية لحل النزاع في الأحكام الشرعية يجب أن يستند قبول الأفكار إلى القيم والمبادئ التي تشكل مرجعية الفرد. المرجعية هي الحامي ضد تشتت الأفكار والحكم عند تعارضها وهي تختلف من شخص لآخر تبعاً لهويته ومنهجيته.

6-             " وَلا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى "[6]
يجب ألا يقف الخلاف الأيدلوجي أو السياسي أو الإجتماعي عائقاً أمام تقبل الأفكار الجيدة، فعند تقييم الفكرة يجب توخي الحيادية التي تساعدنا على الفصل بين الفكرة وقائلها، فالحكمة ضالة المؤمن والأفكار لا وطن لها.

7-             " يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ "[7]
كما أن هناك منافقون يقولون ما لا يضمرون ، هناك من الأفكار ما هو أصيل يتفق مع الغرض منه وما هو غير ذلك وقبل قبول الفكرة يجب التأكد من أصالتها حتى لا يتم اعتناق وترويج أفكار مغرضة.

8-             قصة سيدنا داود والخصمين اللذين تسورا المحراب [8]
تفيد القصة بضرورة الاطلاع على الجوانب المختلفة للقضية قبل الحكم عليها، وكذلك الأفكار يجب الدراية بمقتضيات الفكرة بجوانبها المختلفة قبل قبولها.

9-             " أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا " [9]
تطلب الآية الكريمة أن يكون التفكر بصورة فردية أو في أقل جمع ممكن، وذلك للبعد عن تأثير عقلية الحشد التي تعد أحد معوقات التفكير. فللفكرة المنتشرة سطوة بقدر انتشارها مما يلزم معه اعمال الفكر فيها بصورة مستقلة بعيداً عن تأثير الجموع. وقد قال رسولنا الكريم " لا يكن أحدكم إمعة "

10-        " أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ "[10]
معوق آخر للتفكير هو الآبائية وقد يكون من أشد المعوقات نظراً لكون الأفكار الموروثة جزءاً من تكوين الإنسان تربى عليه منذ الصغر. وكما يجب مراجعة الأفكار الجديدة قبل قبولها، يلزم مراجعة موروث الأفكار والتأكد من صلاحيتها قبل الاستمرار بالعمل بها.




[1]  النحل : 43
[2]  البقرة : 111
[3]  البقرة : 23
[4]  هود : 118 – 119
[5]  النساء : 59
[6]  المائدة : 8
[7]  آل عمران : 167
[8]  ص : 39
[9]  سبأ : 46
[10]  البقرة : 170

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق